الترجمة هي عملية تحويل النصوص من لغة إلى أخرى، وهي تشمل نقل المعاني والمفاهيم بطريقة دقيقة تعكس جوهر النص الأصلي. تُعد الترجمة أداة أساسية للتواصل بين مختلف الثقافات، حيث تسهم في تبادل الأفكار ونقل المعارف. كما تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، من خلال تسهيل التعاملات التجارية والعلاقات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز الترجمة التفاهم بين الشعوب وتسهم في تعزيز التعاون الدولي والسلام.
إن للترجمة فضلًا عظيمًا على سائر العالم والمجتمعات، حيث إنها ليس بالعلم الحديث الذي ابتدعه الإنسان لحاجة يرغب بها في عالمنا المعاصر، بل إن الإنسان قد عمل بالترجمة واحترفها قبل أن يطلق عليها لفظ “ترجمة” من الأساس.
فالترجمة كانت حاضرة بروحها في أول تواصل يجري بين البشر، وقد أقامت جسورًا من المعرفة والاحترام والحب بين شعوبٍ لم تتفق حتى في لغة التواصل، لذلك فإن الترجمة بحر جدير بالتبحر فيه، وحرفة لا تقبل سوى بالجدير بأن يكون رسولًا بالسلام بين أمتين.
تعريف الترجمة
إن الترجمة هي فن وعلم تحويل النصوص بأنواعها؛ سواء كانت مكتوبة أو مسموعة من لغة المصدر: وهي لغة النص الأصلية، إلى اللغة الهدف: وهي اللغة التي ينبغي التعبير عن النص بها.
يجب أن ينتبه المترجم أن الترجمة تتعدى مجرد تحويل الحروف والكلمات من لغة إلى أخرى بشكلٍ جامد، إلى التعبير عن أفكار ومشاعر وأسلوب الكاتب الأصلي التي يحاول التعبير عنها في نصه والذي يمكن تحقيقه من خلال الالتزام بقواعد الترجمة ومنهجية الترجمة.
كما أن الترجمة تتطلب الإبداع ومهارات ترجمية من أجل الوصل بين الثقافات المختلفة، مع مراعاة الاختلافات الإقليمية والثقافية بين اللغتين المصدر والمستهدفة.
ما هو تاريخ الترجمة؟
كما ذكرنا سابقًا، فإن تاريخ الترجمة يمتد إلى الماضي البعيد، ولم تقتصر الترجمة على حضارة دون سواها، بل إنها قد وُجدت في كل حضارات العالم القديم؛ حيث إنها إحدى ضرورات التواصل البشري، ولها مزية احتفاظ كل طرفٍ بحضارته ولغته كاملة دون نقصان.
الترجمة عند العرب:
أول ظهور معروف للترجمة عند العرب كان في عصر الجاهلية، حيث إن القبائل العربية كانت تعمل بالتجارة مع قبائل لا تعرف ولا تتحدث العربية، فلزمتهم الترجمة في أعمالهم.
بعد ذلك، حين أنار الإسلام ظلمة الجاهلية، كان للترجمة مكانة عليا، حيث أنها ساعدت في نشر تعاليم الإسلام وتوسيع رقعة الدين الحنيف بين أممٍ لم تعرف لسان العرب، ومن آثار رفعة مكانة الترجمة في الإسلام أن الصحابي زيد بن ثابت قد كُني بترجمان الرسول، حيث أنه كان يترجم رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الشعوب التي لم تتحدث العربية كالروم والفرس.
أما في العصر العباسي، وبخاصة في الوطن العربي شاملًا الأندلس، ازدهرت الترجمة وحظيت باهتمام كبير، فمثلًا أنشأ الخليفة هارون الرشيد “بيت الحكمة” والتي ضمت تجمعًا هائلًا للمترجمين آنذاك، ومن بعده الخليفة المأمون الذي كان يولي الترجمة اهتمامًا عظيمًا كذلك فكان يدفع للمترجمين ما يعادل وزن ترجماتهم ذهبًا، ولكن ماذا كانوا يترجمون؟
كانوا يقومون بترجمة أعمال فلاسفة الإغريق والرومان من اللاتينية إلى اللغة العربية، مما كان يساعد علماء وفلاسفة العرب في الحصول على ما وصل إليه الغرب في علومهم وتطويره، وقد ساعد كذلك علماء العرب في إرساء الكثير من قواعد العلوم كالطب والهندسة والفلك والرياضيات.
الترجمة عند الغرب:
تعتبر عملية ترجمة التوراة من العبرية إلى اللاتينية فيما يُسمى بالترجمة السبعينية أول ترجمة هائلة تتم في الغرب. كما استطاع بعض النقاد تتبع أثر تواصل أدبي بين الشرق والغرب من خلال الترجمة في العصور الوسطى.
أما في عصر النهضة، كان الغرب قد بدأ يستقي من علم العرب ومعارفهم في شتى المجالات، حيث إن اجتياحهم الأندلس قد نبههم إلى الترجمات الهائلة لفلاسفة الإغريق والرومان من اللاتينية إلى العربية وتطويرها. بدأ المفكرون من المترجمين في هذه المرحلة إلى وضع خطواتٍ محددة لعملية الترجمة؛ بهدف تسهيل عملية الترجمة على كل من يرغب بالخوض بها.
ما هي أهمية الترجمة وما الهدف منها؟
بعد أن أوضحنا تعريف الترجمة وجبت الإشارة إلى أهميتها وتأثيرها علينا، حيث إنها تدخل في مختلف مجالات حياتنا اليومية وتؤثر بشكل كبير على إدراكنا للأمور من حولنا وثقافتنا وتواصلنا مع الآخرين وغيرها من الأمور، ومن أهم أهداف الترجمة ما يلي:
1– تأمين التواصل الفعال بين الشعوب المختلفة:
تأمين التواصل الفعال بين الشعوب المختلفة من الأهداف الرئيسية التي يكشف عنها مفهوم الترجمة الذي عرضناه عليكم للتو؛ فإن عالمنا اليوم يحتوي على أكثر من سبعة آلاف لغة تستخدمها مختلف شعوب العالم، ولا يربط بينهم ويسمح بالتواصل بينهم سوى الترجمة، التي تهب لهم الفرصة لتحويل حديثهم ونصوصهم من لغة إلى أخرى لضمان تواصل ناجح.
2– دعم الاقتصاد العالمي:
تقوم الترجمة بدعم الاقتصاد العالمي من تمكين الحكومات والمؤسسات المختلفة من إبرام الصفقات، وفتح المشاريع المشتركة. فالترجمة من أوائل الأسباب التي أدت إلى إمكانية إنشاء شركاتٍ عالمية، لديها فروع في دول مختلفة ذات لغاتٍ مختلفة. لم تعد المسافات الطويلة بين الدول مصدر قلق لدى رجال الأعمال والمستثمرين بفضل العولمة التي كانت حلماً حولته الترجمة إلى حقيقة، حيث يحتاجون باستمرار إلى خدمات ترجمة عالية الجودة.
3– تعزيز سبل السياحة العالمية:
من خلال تعريف عملية الترجمة سنجد أن الترجمة تلعب دوراً فعالاً في تعزيز سبل السياحة العالمية، بل دون الترجمة لصارت الرحلات السياحية رحلات توجس وقلق من المجهول الذي يحيط بالناس. فإن الترجمة هي الوسيلة الوحيدة أمام المرشد السياحي من أجل التواصل مع السائحين، والترجمة هي السبيل الوحيد أمام السائحين ليتعامل أحدهم مع الآخرين، ومع مرشدهم السياحي.
4– نشر العلوم والمعارف المختلفة بين فئات أكثر من الناس:
تساهم الترجمة في نشر العلوم والمعارف المختلفة بين فئات أكثر من الناس، حيث أن ترجمة الكتب والمؤلفات المختلفة يسمح لأصحاب اللغات الأخرى بقراءتها والانتهال من فيض علومها. فعلى سبيل المثال، ساهمت ترجمة القرآن الكريم والنصوص الإسلامية في نشر تلك العلوم بين الناس أجمعين، مما ساهم بدوره في محاربة الإسلاموفوبيا، واعتناق الملايين من الناس للدين الإسلامي.
5– حفظ الأمن والسلام بين الدول:
للترجمة أثر واضح في حفظ الأمن والسلام بين الدول والأمم؛ فهي تمهد الطريق أمام الأمم لتواصل بناء، لا يدع مجالاً للعداوة أو الشحناء بشحن النزاعات والحروب، وإنما تفرض روح السلام والتعاون بينهم. الترجمة هي أساس العلاقات الدبلوماسية السياسية التي تنشأ بين الدول، حيث تسمح لقادة تلك الدول بالتشاور حول الأمور المختلفة، وتكوين الصداقات والتحالفات الدولية.
تحديات وصعوبات الترجمة
يواجه المترجمون في عملهم العديد من التحديات والصعوبات في عملية الترجمة، حيث إنها تتضمن القدرة على فهم ونقل الرسالة بطريقة تتوافق بأفضل شكل ممكن مع الجمهور المستهدف، ومن بين أبرز تحديات الترجمة ما يلي:
ـ الترجمة الحرفية
من خلال تعريف علم الترجمة، وفهم أهدافه سيتضح لنا أن أحد أهم التحديات التي يصطدم بها المترجمون هو تجنب الترجمة الحرفية، حيث يمكن أن تؤدي إلى تغيير معنى الجملة تمامًا، مما قد يؤدي إلى حدوث أخطاء في توصيل المغزى المقصود من الجملة وتحقيق الهدف من النص المُترجم.
الترجمة الحرفية هي إحدى نظريات الترجمة المختلفة التي يمكن أن يتبعها المترجم، ومن أجل أن يجيد عملية الترجمة يجب عليه دراسة كل نظريات الترجمة من أجل يعرف متى يستخدم أية نظرية بأسلوب لا يضر بالمشروع.
يمكن التغلب على هذه المعوقات من خلال التدقيق اللغوي للنص المترجم، وإجراء تدابير التعديل المراجعة على النص بعد ترجمته.
ـ تعددية اللهجات في كل لغة
تعددية اللهجات في كل لغة من التحديات التي يواجهها المترجمون عادة، حيث عند القيام بعملية الترجمة يجب أن يعي المترجم أن كل لغة تحتوي على العديد من اللهجات المتنوعة والتي تختلف بين إقليم وآخر، حيث إنه قد تحتوي هذه اللهجات على كلمات ذات استخدامات مختلفة من مكان لآخر. من خلال فهم معنى الترجمة والمغزى منه سندرك أن المترجم ينبغي أن يعكس اللهجة التي استخدمها الكاتب الأصلي في نصه في ترجمته، ولا سيما إن لم تكن اللهجة الرسمية لتلك اللغة.
على سبيل المثال اللغة العربية، حيث يتحدث بها مواطنو حوالي 22 دولة، ومع ذلك، تختلف اللهجات بين دولة وأخرى بشكل يجعل بعض العرب أنفسهم لا يفهمون حديث بعضهم البعض. كذلك فإن اللغة الإنجليزية تحتوي على أكثر من 160 لهجة مختلفة حول العالم، وتزداد هذه الأرقام بسرعة بفضل الاختلافات في كيفية توصيل الأفكار واستخدام الألفاظ في المجتمعات المختلفة حول العالم.
ـ الوعي الثقافي بالمجتمع المستهدف
انعكاس الوعي الثقافي للمجتمع المستهدف في النص المترجم من إحدى الصعوبات التي يحاول المترجمون باستمرار إيجاد حلول مناسبة لها. لكل بلد ثقافتها الخاصة بها، والتي تظهر في اللغة والتصرفات والسلوكيات والأفكار وما إلى ذلك، وقد تتغير معاني تلك الرموز عند وصولها لشخص من ثقافة مختلفة، حيث إن كل شخص يفسر ما يحدث حوله بناءً على ثقافته الشخصية.
ويعتبر ذلك أمرًا حساسًا بالنسبة للمترجمين؛ لأن عملهم لن يكون فعالًا إذا لم يتم تفسيره بشكل صحيح، لذلك، يجب على المترجمين ألا يتقنوا فقط اللغات التي يعملون بها، بل يجب أن يحاولوا فهم الخلفية الثقافية للغة والمجتمع المستهدف بالكامل من أجل ترجمة النص وفقًا لذلك بدقة عالية.
ـ الخلفية التخصصية للمترجم
هناك العديد من فروع الترجمة المختلفة، والتي لا يمكن ترجمتها من قبل مترجم لا يمتلك المعرفة حول المجال محل النقاش مثل الترجمة القانونية، حيث تحتوي على مجموعة كبيرة من المصطلحات والقواعد والتي لا يمكن ترجمتها بشكل حرفي، والأمر نفسه يحدث في مختلف الفروع الأخرى.
يمكن للمترجمين تجاوز هذا العائق من خلال إجراء بحث مطول عن أنواع ومجالات الترجمة المختلفة، ثم تحديد النوع الذي يريدون التخصص به، مع العلم أن أحد هذه المجالات وهو مجال الترجمة العامة يضم المترجمين الذين يعملون على النصوص غير المتخصصة.
– الإبداع في الترجمة
هناك مهارة أخرى يجب أن يتمتع بها المترجم المحترف ألا وهي الإبداع في الترجمة، فعلى سبيل المثال، عندما ترغب في ترجمة شعار علامة تجارية ما، فإنه لا يجب حينها أن تترجمه بشكل حرفي؛ لأنه لن يؤدي إلى وصول المعنى بشكل صحيح.
حينها يجب أن يكون المترجم قادرًا على تكييف هذا الشعار بطريقة مختلفة ليتوافق مع ثقافة الجمهور المستقبل، كما يجب عليه أيضًا النظر في المجتمع ونمط الحياة للجمهور المستهدف وغيرها من الأمور المؤثرة في الترجمة في هذه الحالة. هذا الأمر يتطلب الكثير من الإبداع من المترجم، ويجعل الترجمة الأدبية والتسويقية واحدة من أصعب التخصصات في الترجمة.
تحديات الترجمة المتخصصة
يواجه العديد من المترجمين تحديًا كبيرًا عندما نطلب منهم ترجمة محتوى محدد أو متخصص، على سبيل المثال عندما يقوم المترجم بترجمة الأفلام، يجب أن يستخدم الكلمات المناسبة والتعابير المناسبة بطريقة تحافظ على تماسك القصة.
كذلك عند ترجمة روايات أدبية أو قصائد شعرية، حيث تحتاج هذه النصوص إلى أن تتم ترجمتها بعناية شديدة وبشكل محدد للحفاظ على الرسالة الأصلية وأسلوب الكتابة الذي يجعل الكاتب فريدًا ومميزًا.
وجود كلمات لا يمكن ترجمتها
هناك بعض الكلمات في كل لغة لا يوجد لها ترجمة مباشرة في لغات أخرى، عند حدوث ذلك، فإنه يتطلب من المترجم العثور على بديل يوضح المعنى بدقة شديدة، وهذا الأمر ليس باليسير بالطبع.
غالباً ما تكون هذه المصطلحات ثقافية وذات معنى خاص جداً لمتحدثي تلك اللغة، وفي كثير من الحالات تعبر عن تجربة معينة لا يمر بها سواهم؛ فكيف من المفترض أن يقوم المترجم بالتعبير عن ذلك المصطلح بلغة لا تدري أصلاً بتلك التجربة؟!